الأربعاء، أكتوبر 24، 2012

إيقاع حكىٍ و حالات شغف ! :))


الغريب أننى أقرأ النص كمن ينصت إلى الموسيقى .. هناك إيقاع خفى لا أعرف له إسماً لكننى أتابعه ، أطفو معه .. و إذا ما حدث و انقطع هذا الإيقاع فإننى أغادر النص كاملاً .. فى الأيام التى لا أكتب فيها يكون ذلك لإن الإيقاع فى ذهنى غير منضبط !

ماذا أطلق عليه ؟ .. إيقاع الكلمات ؟؟ .. إيقاع النص ؟؟ .. أو هو تحديداً إيقاعٌ للحكى ..
النص عادةً يحكى شيئاً ، و هذا الحكى له إيقاع .. كل كاتب له إيقاع .. أستطيع حتى أن أميز نصوص البعض من إيقاعهم المميز .. لكن الأمر يختلف تماماً عن الأسلوب أو البناء .. أنا أتحدث عن رتم يجاور النص .. شئ يشبه الموسيقى الخفيفة فى خلفية الحكى !

هذا الإيقاع لا يتكرر أبداً بين الأشخاص ، لأن كل كاتب روح منفصلة .. تفاصيل مختلفة و متعددة تجتمع كلها لتنتج فى النهاية إيقاعاً متفرداً ، يستهلك وقتاً طويلاً حتى ينضبط ، و يستهلك طاقة الكاتب كذلك !
لكنه إذا انضبط ، انضبط معه الواقع .. تغدو بعدها حياة الكاتب اليومية مادة صالحة للكتابة .. كل الأحداث و كل التفاصيل حوله تترجم نفسها إلى كتابة بلا أى جهد منه .. أمواج من الحكى المتواصل تتدفق ، و ليس عليه سوى أن ينقلها إلى الورق .. أو يخرجها إلى العالم بأى طريقة كانت ! :)
                 
هذا جزءٌ من تكوين فكرتى عن الشغف .. عندما يتملكك الشغف بتفصيلة ما يدفعك هذا إلى الكتابة المستفيضة عنها ، و لا يسعك وقف أمواج الحكى بمجرد أن تبدأ ! 

كاتبتى الحبيبة رضوى عاشور تحكى (هنا) عن إكتمال المشهد فى الروح .. و كيف يمكن للمرء أن يكتب و كأن المشهد يُملى عليه ، فلا يتوقف _و لو لثانية_ لإنتقاء كلمة أو بداية جملة كما قد يظن البعض .. يصبح الكاتب وقتها مجرد وسيلة لنقل الكلمات من الأثير الفكرى إلى الواقع الذى نحيا فيه ! 
هى بالتأكيد تتحدث عن تلك النصوص التى لا أبذل جهداً فى كتابتها ، و بالكاد أمسها بعد الإنتهاء منها .. على العكس من نصوص أخرى عديدة أعدلها مرات و مرات و لا أرضى عنها أبداً ..

أيضاً فى بداية الفيديو ذاته ، تجد أبى الروحى _ و صوت القصيدة فى ذهنى :) _ مريد البرغوثى ، يحكى عن كون الشعر انتباه و ليس إلهاماً كما يُشاع .. الشعر ما هو إلا إنتباه للتفاصيل الدقيقة التى تعطى المعنى ، و التى لا ينتبه إليها الكثير من البشر .. الدهشة عند ما هو عابر ! :)

كل ما أعرفه حتى الآن أن تلك الحالة من الكتابة تحتاج نضوجاً فى التفاصيل ، على المرء أن يقضى مع تفاصيلها وقتاً أطول كى تترابط و ينضج إحساسه بها .. و تحتاج منه أيضاً أصالة فكرية في كل ما يتعلق بها ، لأنه لن يضيف شيئاً إذا ما نظر إليها من حيثما نظر الآخرون .. 

و أخيراً و ليس آخراً ، علي الكاتب ألا يعتبر أى تفصيلة حوله من المسلّمات ، أن يسمح لنفسه بأن يندهش لأصغر الأشياء العابرة ، أن يتوقف عند الأحداث البسيطة التى لا يعيرها أحد انتباهاً لكنها قد تمس روحه فى موضع ما .. 
و أحسب أن كل ذلك ينتهى بالمرء أخيراً إلى إيقاعه الخاص !

.............................................................
هـامـش :
الفيديو جزء من حلقة برنامج (وحى القلم) مع العائلة البرغوثية التى أكن لها حب العالم كله  .. عُرضت على الجزيرة الوثائقية منذ ما يقرب من عامين و علقت بذاكرتى بشدة :) .. أنصح بمشاهدتها سريعاً قبل أن تتم إزالتها مرة أخرى بسبب حقوق الملكية الخاصة بالقناة !